أخبار

Pages

page1

تونس: في حين يتنصل و يتقاعس المسؤولون عن واجبهم، حارس بمدرسة يأخذ على عاتقه مسؤولية ''البستنة المدرسية''

تُعتبر المدرسة المؤسسة الاجتماعية التي تلي الأسرة مباشرة في أهميتها وتأثيرها على الصحة النفسية ودرجة توافق الأبناء نفسيًّا واجتماعيًّا، خاصة أن الأسرة في العصر الحديث لا تُتيح لها إمكانياتُها وظروف الآباء فيها أن تضطلع بجميع المهام التي كانت تضطلع بها قديمًا عندما كانت الحياة بسيطة ومُتطلباتها محدودة،
 فالمدرسة هي الوسط الذي ينمو فيه التلاميذ خارج الأسرة ويُمضون فيه أغلب يومِهم.
 من المقومات الرئيسية لقيام المدرسة بدورها في تحقيق التكيُّف والاستقرار النفسي هو مُراعاة المواصفات الخاصة في المباني الدراسية وهندستها،
 فالمدرسة يجب أن تُبنى لتكون مدرسة، وأن يُراعى في تصميمها أن تَفي باحتياجات التلاميذ من الخدمات الصحية والنفسية والاجتماعية والثقافية والترويحية، لا أن تَقتصِر على غرف الدراسة ومكاتب المدرسين والإداريين فقط، 
فللمكان أثر غير مباشر على الموجودين فيه؛ ولذلك فإن كل جهد يُبذَل لجعل المدرسة مكانًا جميلاً ومحببًا إلى النفس هو جهد في سبيل توفير رضا التلاميذ والعاملين بالمدرسة، ودعم صحتهم النفسية وزيادة إنتاجهم.
 و من هذا المنطلق تكفل حارس مدرسة إبتدائية بهاته المسؤولية دون أن ينتظر أي مقابل، و لأن حب الوطن ليس بالكلام و كتابة الأشعار، بل بالعمل و التفاني فيه ، لم يدخر هذا الحارس أي جهد ليرى المدرسة في أبهى حلة، حتى يجعل منها ملاذا لراحة الطالب النفسية و كذلك المدرسون. مستعملا أفكارا و أدوات بسيطة، مشركا بذلك طلاب المدرسة، لينمي فيهم ملكة الإبداع و الإبتكار و مسؤولية التعامل مع المحيط.
البستنة   المدرسية

و نطرح في هاته التدوينة أهمية الحدائق المدرسية في المنظومة التربوية
 لا جدال في أن الحدائق المدرسية Les jardins scolaires تلعب دورا رياديا في تربية التلاميذ وتوجيههم في ممارسة السلوك المقبول من خلال ممارسة أعمال البستنة التي تعد من الأنشطة المفيدة لإيجاد البيئة الملائمة والداعمة للعملية التربوية،
 كما تزودهم بالمعارف والمهارات التي تمكنهم من التعامل بإيجابية مع متطلبات الحياة وتعقيداتها وتجنبهم السقوط في كثير من الأمراض السيكولوجية والاجتماعية وتجعل نفسيتهم تقترن بالحنين إلى روحانية الطبيعة باعتبارها الام الكبرى،
 حيث يجدون فيها وقودا لخيالهم وعاطفتهم في جو رفيع البهجة والمتعة والاطمئنان النفسي ويتأثرون بها بقوة،
 حيث تعطيهم مساحة للتأمل والصفاء من خلال الانطلاق وسط الإزهار والورود واستلهام الوحي من الأشجار والنباتات في صورتها الطبيعية الأصيلة بعيدا عن الصيغ المصطنعة.
وإذا كان علماء النفس والتربية يؤكدون على أن الحدائق المدرسية تعد من أهم البرامج التربوية التي تزيد من كسب حب وإقبال التلميذ على المؤسسات التعليمية وتدخل البهجة إلى نفسه،
فانهم أيضا يجمعون على أن أعمال البستنة تساعد على تهيئة المناخ المناسب للطفل للدراسة والتحصيل، وتتيح الفرصة له للتعبير عن الشغف وحب الاستطلاع واستكشاف عالم المعرفة لما تحمله هذه الحدائق من إمكانات ووسائل ولما تقدمه من غنى وعمق تربوي،
حيث يستفيد من هذه التجربة وينهل منها ليزيد من نموه الجسمي والعقلي واكتماله النفسي ويطور فكره وإحساسه. 
وتكمن الفوائد أيضا من أعمال البستنة في كونها تفتح مجالات عديدة لإشباع نشاط التلاميذ في أمر مفيد يستنفذ طاقاتهم الحيوية في أشياء مقبولة سلوكيا ومفيدة للجميع،
 وتهيئ شروط تنمية قدرات التلاميذ وتقوي إحساسهم بالالتزام والمسؤولية والقضاء على سوء السلوك في مدارسنا.
فالطبيعة عند التلميذ بستانه المدرسي الذي اصبح عنده رمز الأرض يستلهم جو الجمال الذي يكتنفه، فتتحول نفسيته إلى مرآة تنعكس على صفحاتها مناظر الطبيعة التي تعطيه إحساسا بالجمال والمتعة،
 ومن تم بناء شخصية المتذوق الذي يستمتع بجوهر الأشياء مما يزيد من ميول الانطلاق الإبداعي والتدفق الإنتاجي لديه.
 وحري بالذكر أن الحدائق المدرسية تعد من أهم الأدوات التي تساعد على صقل حواس الأطفال بغية فهم بيئتهم ومحيطهم وتكرس أهمية الإحساس بوصفه مصدرا مهما للمعرفة.
 فلا أحد ينكر الثمرات التي يمكن جنيها من أعمال البستنة المدرسية على مستوى ترقية حاسة البصر لدى التلميذ والانطلاق بها إلى الآفاق وتفجيرها تعبيرا قويا وإحساسا عميقا جدا بالألوان في نفسيته لاسيما إذا كانت هذه الحدائق تحتوي على أزهار متوجهة الألوان وورود غنية المشهد وغطاء طبيعي حي متنوع المظهر.
وقد أصاب علماء النفس والتربية كبد الحقيقة عندما أكدوا على أن تفاعل الألوان مع حاسة البصر يؤثرا إيجابيا على نفسية الطفل.
فالحدائق المدرسية هي بمثابة تدريب مكثف لعين التلميذ تنمي لديه الإحساس الفاتن بادراك الألوان واستيعاب مختلف درجات الأضواء والظلال والتعرف على مواطن الجمال من خلال الرؤية والتمعن،  وتحارب التلوث البصري بمختلف أشكاله.
للحدائق المدرسية أهمية كبرى لا غنى عنها أبدا في مجال التربية والتعليم لأنها تساهم في خلق التفاعل الإيجابي بين التلميذ وبيئته والأهداف العامة للتربية، مما يستدعي قلب الصورة الكلية لنمط التعليم الكلاسيكي شكلا ومضمونا، على اعتبار إن العملية التعليمية ليست في النهاية تحصيلا للمعرفة فحسب، بل أيضا تجاوز لتلك المعرفة لان المدرسة ليست غاية في حد ذاتها وإنما وسيلة تيسر عملية توافق الطفل مع العالم.
فالمنهاج بهذا الشكل يستلزم طبيعة من نوع خاص تجعله مدركا للصلة الوثيقة بين التلميذ والحديقة المدرسية وإعداده إعدادا مناسبا لمتطلبات الحياة،
الشيء الذي يحتم المشاركة الجماعية التي تهم جميع العاملين والمهتمين بالتربية من مدرسين ومديري المؤسسات التعليمية و المؤطرين التربويين والمهتمين بجميع الشعب المدرسية، لان كل المواد تقدم دروسا قيمة للتلاميذ هي عبارة عن رسائل تربوية لها علاقة وثيقة بالبيئة والمجال الطبيعي والحدائق المدرسية.

0 commentaires:

إرسال تعليق